الخبز الحافي؟!
هذا هو السؤال الأول الذي طرحته على نفسي عندما نظرتُ إلى العنوان.
العنوان فقط جعلني أشعر بالمأساة التي عايشتها بالتفصيل بعد ذلك أثناء قراءتي للكتاب. أعتقد أن هذا النوع من العناوين يعطي الكتاب قوة كبيرة. العنوان الذي يُشعرك أنك قرأت الكتاب قبل أن تقرأه فعلاً!

هناك مجموعة نقاط يجب أن يعلمها القارىء قبل قراءته لهذا الكتاب (وأنا كنت على علم بها قبل قراءته بالتأكيد!) وهي:
1. الكاتب محمد شكري قضى العشرين سنة الأولى من حياته أمياً! لا يعرف كيف يكتب اسمه!
2. حياته التي يذكر تفاصيلها في هذا الكتاب هي حياة ليس فيها إلا أب قاتل مجنون، وأم معذّبة، وبيوت سكر وأوكار دعارة.
3. محمد شكري صريح جداً ولا يخاف من الكلمات وليس عنده أي خط أحمر في الكتابة الأدبية! لذلك توقع منه أي شيء!
بالتأكيد تم منع هذا الكتاب لفترة طويلة في الدول العربية لما يحتويه من الفاظ ومشاهد "غير لائقة"!
ولكن، برأيي، ما معنى كلمة "غير لائق"؟ الكاتب يصِف حياته (وحياة الكثيريييييييييين غيره طبعاً!! ولكن الاختلاف الوحيد بينه وبينهم هو أنه كان جريئاً!) ويصِف أيضاً طبيعة مجتمع عربي في فترة من الفترات، فما العيب في ذلك؟
العيب أن نُحَذِّر ونمنع مثل هذه الكتب التي تجسد واقعنا. وإذا كان الواقع وقِحاً و "غير لائق" فما ذنب الكاتب الذي هو ليس إلا ناقل لصورة هذا الواقع؟!
وماذا يكون للأدب من فائدة إن هو لم يَكُن بمثابة جرس إنذار لنا؟! ما فائدته إن هو جمَّل لنا الواقع بدل عرضِهِ بأمانة؟!
أعتقد أن سبب منعنا وتحذيرنا من هذا النوع من الأدب، هو أننا نريد أن نعكس طبيعتنا الكاذبة على الأدب، فنريده أن يكذب ويغيّر الواقع، مثلنا، ويجعله "لائقاً" حتى نقبله! نَحْنُ خائنون ونريد من الأدب أن يتعرى من أمانته ويصبح خائناً مثلنا! ولكن الأدب الحقيقي لا يخون الواقع ولا يزور الحقائق.
لذلك، أعتقد أن الخبز الحافي هو أدب حقيقي وليس أدب ميك-أب كما يريده البعض!


تحية للكاتب. وتحية للكتاب.
وتحية أكبر للأدب. الأدب الحقيقي الذي لا يقبل إلا أن يقرأه قُرّاء حقيقيون.