
"إلى من لا ينام شبعانا، وجاره جائع"
بهذه الكلمات، افتُتِحَت الستارة، وبدأت - وانتهت - قصة الحلاج.
من المقصود بها يا ترى؟ هذه الرسالة، موجهة لمن؟ للحاكم الأعمى، الذي لا يرى أحداً وراء بطنه المنتفخة بحقوق الناس وآلامهم وأحلامهم؟ أم إلى الحلاج نفسه، الذي لم يحتكر شبَعه بحبّ الله، فخرج للناس كي يُشرِكهم معه ويقاسمهم لقمة العشق؟
حتى في قصته، يرفض الحلاج مبدأ الاحتكار! ذلك أن هذه القصة تتكرر وتُعاد وتتقاسم نفسها مع كل الأزمنة! هذه القصة المُشبَعة بالحق والعشق والألم والإيمان تأبى أن تموت، وجيرانها جياع!
يرتعش القلب عشقا، بصدق، حين يجد في كهوف التاريخ من هم كالحلاج، في صدقهم وتجردهم من الناس، وكلام الناس، ورأي الناس، وشماتة الناس. وثباتهم في وجه السلطان، ودين السلطان، وفقهاء السلطان، وسياط السلطان.
ثم يرتعش ألماً حين يرى ذلك الكمّ الهائل من الظلم والظلام في قلوب بعض البشر.
يقتلني الحلاج حين يقول:
"هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك وتقربا إليك، فاغفر لهم. فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي، لما فعلوا ما فعلوا .."
عجيب أنت في نقاءك المهيب، وفي طهارة قلبك - تلك الطهارة التي منحها إياك الله الرحيم حين سكن حبه قلبك. ولكنني أشك كثيراً في أنهم قتلوك تعصبا لدين الله وتقربا اليه! هم قتلوك تعصبا لدين المنصب والسلطان والمال والجاه والجواري، وتقربا إلى ظلام أنفسهم. هم لم يعرفوا الله يوما حتى يتقربوا اليه او يتعصبوا له!
ما أفقرك يا حلاج!
بل، ما أغناك، وأفقرهم!
أنت قلت: "ركعتان في العشق، لا يصح وضوؤهما إلا بالدم" ..
لقد كان دمك زيتا أسرج المساكين به قناديل قلوبهم، ومشوا بها إلى الله.
كان دمك المشبع بالعشق، لعنة عليهم وعلى بُغضهم وكراهيتهم.
رحم الله الحلاج.