للكتاب فكرة بسيطة جداً (من الناحية النظرية)
وصعبة إلى حدّ (من الناحية العملية التطبيقية).
هذه المفارقة ما بين النظرية والتطبيق هي طبيعة بشرية متجذرة على مر العصور. ويُمكننا ان نجد حتى في أمثلتنا الشعبية ما يدعم ويدُل على هذه الطبيعة وتجذّرها تاريخياً.
الفكرة: القراءة هي حجر أساس نهوض أي أمة.
بالتأكيد، فإن لهذه الفكرة متعلقات أوجز الكاتِب في نقلها، مثل أنواع القرّاء وأنواع الكُتّاب والكُتُب وأقسام القراءة. فكان التركيز الأكبر (والمدح الأكبر) لقِسم القراءة التحليلية. وهو يستحق المدح ويستحق التركيز. فهو أجوَد أنواع القراءة برأيي، وهو الذي يصنع من القارىء البسيط مثقفاً حقيقياً.
كما أن مرور الكتاب على القراءة السريعة وأهميتها أعجبني. وهو على ما أعتقد كان عبارة عن تلخيص مقتضب جداً لقواعد توني بوزان في كتابه عن القراءة السريعة.
واتّباعاً لمبدأ القراءة التحليلية، فلِي على هذا الكتاب مآخِذ عدّة أهمها اثنان:
الأول: تقرير الكاتب لأمور قد لا تنطبق على الجميع. وأحيانا قد لا تنطبق على الغالبية. كمثال، تقريره في أن الكتاب الورقي "رخيص مقارنةً بغيرهِ". وهذا ليس صحيحاً عامّةً، وقد يختلف معهُ الكاتب الراحل إدواردو غاليانو صَاحِب الاقتباس الشهير من كِتَاب المعانقات: "ليس من الضروري حظر الكتب حتى تمنع الناس من قراءتها، فإن أسعارها كفيلة بمنعها".
كما أنه قرر بشكل غريب أن عدداً "محدوداً" من الناس فقط من لا يستطيع اقتناء الكتب وذلك بسبب "البطالة" أو "كِبَر حجم الأسرة". وهنا أتساءل، هل البطالة ظاهرة محدودة في أوطاننا؟ وهل الأسر الكبيرة قليلة عندنا؟ البطالة مستشرية والأسر الكبيرة موجودة وبكثرة. فهي أبعد ما تكون عن "محدودة".
الثاني والأهم: أن الكاتب انطلق، في تناوله لموضوع شامل وعامّ كالقراءة، من وجهة نظر مذهبية إن صحّ التعبير. فمن الواضح أنه يطرح موضوع القراءة (العامّ) من وجهة نظر إسلامية (خاصة). وحتى الأمثلة والتوضيحات التي طرحها الكاتب كلها (تقريباً) تحمل صبغة إسلامية خالصة. مثل ضربه أمثلة على كتب الفقه والقرآن والتاريخ الإسلامي. وأيضاً في خاتمة كتابه وجه حديثه "للشاب المسلم". وهذه بالنسبة لي نقطة ضعف كبيرة في الكتاب. الموضوع عامّ فيجب أن يكون الطرح عاماً لا متمذهباً.
طبعاً قد يُقال أن من حق الكاتب اختيار جمهوره. وهذا صحيح. ولكن إن كان هذا فسيكون من الأفضل لو أضاف الكاتب ما يشير إلى جمهوره في العنوان. كأن يقول :دليل الشاب المسلم للقراءة المثمرة، مثلاً! وإلا فإنه، برأيي، يكون قد وقع في سلبية العنوان البرّاق الذي يخفي جزءاً من حقيقة الكتاب، وهي سلبية انتقدها الكاتب نفسه في بداية كتابه.
أختم باقتباسات أعجبتني:
"كلما زادت المعرفة، اتسعت منطقة المجهول"
"يقول أديسون عندما سُئل عن العبقرية أنها ١٪ إلهام، و ٩٩٪ عرق جبين"
"إن القارىء الممتاز يكون مستعداً لأن يستفيد من القراءة ما يُمكّنه من هدم ما كان يظنه ثوابت فكرية"
"الكاتب الجيد ينمو باستمرار، وخلال نموّه يتخلّى عن بعض الأفكار ويؤمن بأفكار جديدة"